حرص صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على
الحفاظ على هذا التراث وإحيائه لأجل إفادة الأجيال القادمة تم تحويل قصر
سموه وسكنه الخاص في مدينة العين إلى متحف فني وحضاري وتاريخي يربط الماضي
بالحاضر ويزخر بالشواهد على عصر اتسم بالبساطة والجمال قبل حلول التطور
التكنولوجي الذي غير حياة الكثير من الأمم فالقصر الذي عاش فيه صاحب السمو
رئيس دولة الإمارات حتى عام 1966 حين انتقل إلى أبو ظبي يضم الكثير من
المقتنيات التي تخص صاحب السمو الشيخ زايد والتي بقيت على حالها لتعرض
للزوار كسيارة لاند روفر التي كان سموه يستخدمها للتجوال وتفقد أحوال الناس
وشؤون الدولة وتحف أثرية وهدايا رسمية وصور قديمة كلها مازالت في مكانها
الأصلي والقصر رغم أهميته بسيط جداً ومتعة للنظر بسبب تصاميمه المعمارية
الجميلة التي تعتمد على عناصر الفن الإسلامي من قلاع ومغازل الرمي والعقود
المقصوصة والسور المرتفع التي كانت كلها من أهم ميزات العمارة الإسلامية
التقليدية كما يتميز القصر بتمثيله للحياة التقليدية و البيئية من حيث
طريقة تصميمه إذ تنسجم مباني القصر بغرفه ومجالسه مع خصوصية الحياة
الاجتماعية والأسرية والمناخية لسكان الإمارات فالغرف والمواد المستعملة
فيها تتكيف مع عوامل الحرارة والرياح والظلال كما تتوافر المساحات الواسعة
لتسهل حرية الحركة والاستجمام والاستمتاع ويعود تاريخ بناء هذا القصر
السكني إلى عام 1937م حيث بُني باستعمال المواد المتوافرة آنذاك بفضل
البيئة المناسبة لطبيعة الحياة الصحراوية وهذه المواد هي الطين والّلبن
والجصّ والحجارة وجذوع النخل والحصير والدعن وأخشاب التيك المستعملة في
السقوف والنوافذ والأبواب لكن أعمال الترميم بدأت عام 1998م واستغرق العمل
عليها سنتين وذلك باستخدام أجود الأساليب لدعم أساسات البناء وحمايتها من
الانهيار أو التصدع ولتزويد القصر بشبكة توصيلات جديدة مائية وكهربائية
لتخدم مستلزمات الاستعمال وفي غمرة هذه التعديلات تم بناء وترميم أسوار
الفناء الداخلي والمجالس والسكن العائلي ومباني الحراسة ومجلس الخيمة
الكبيرة لتجهيز القصر لاستقبال الزوار الذين يمكنهم زيارته مجاناً واستهدفت
هذه العمليات تقديم القصر بالصورة الرائعة التي هو عليها اليوم لإظهار
الحياة العائلية والرسمية لصاحب السمو الشيخ زايد من خلال فتح جميع أقسام
القصر للزوار ولدى دخول بوابة القصر يمكن للزائر أن يرى السور المرتفع ثم
القلاع والمغازل الدفاعية والبوابات المصنوعة من الخشب والمزخرفة بأدق
التصاميم على أيدٍ ماهرة تتخلل السور البوابة الرئيسية وتعلوه الزخارف
المسننة وعقد مقصوص مرفوع على جوانب جدران المدخل ويحيط هذا السور بالمباني
الداخلية كما وتعلوه المثلثات المعروفة بمغازل الرمي التي كانت من الوسائل
الدفاعية وأخيراً السور معومٌ بأربعة أبراج درج تصميمها في مدينة العين
عبر الزمان اثنان منهما يمكن رؤيتهما في المدخل الرئيسي ولدى تجاوز الأسوار
والولوج إلى الباحة الداخلية للقصر يمكن التمتع بالمساحة الكبيرة التي
تشغل الخيمة العربية جزءاً كبيراً منها والخيمة البنية الكبيرة تزدان بجمال
تصميمها وألوانها ورحابة مجلسها المزين بالبسط والسجاد الفاخر الصنع
والوسائد المريحة التي تستقبل الداخلين إليها حيث يمكنهم الجلوس واستذكار
العادات والتقاليد القديمة والتمتع بالقهوة والتمر المتوافرين على سبيل
الضيافة والخيمة مكيفة بحيث توفر لضيوفها جواً جميلاً صيفاً وشتاءً ولدى
الدخول إلى الممرات الداخلية تطالعنا على الجدران صور لسمو الشيخ زايد تمثل
معظم مراحل حياته وإنجازاته كما يمكن للمهتمين التمعن بشجرة عائلة آل
نهيان المصممة بكل روعة ودقة واتقان بحيث تشكل أرشيفاً موثقاً لكل فروع هذه
العائلة الكريمة كذلك يمكن للزائر ملاحظة الألواح السيراميكية المزدانة
بالنقوش القرآنية فائقة البراعة والدقة واللوحات الفنية الجميلة التي تغطي
الجدران وتمثل مظاهر الحياة العربية القديمة كمواكب القافلات العائلية
والتجارية عبر الصحراء ونشاطات الصيد والتبادل التجاري البحري والفنون
المعمارية العربية الظاهرة في رسومات المنازل والمساجد والأبراج ويمكن
تصنيف مباني القصر ضمن مجموعتين الأولى غرف السكن الخاصة والعائلية
والثانية للمجالس الرسمية الكبيرة منها والصغيرة التي تتلاءم وطبيعة الضيوف
وأهميتهم ولكن كل تلك الغرف والمجالس مفروشة على الطراز العربي القديم إذ
نجد فيها ألواحاً زخرفية منقوشة بالرسومات والأدعية والآيات القرآنية تحفاً
فنية نحاسية وفضية بسط وسجاد و ملابس وحقائب صوفية تقليدية مُحاكة بعناية
ووسائد مطرزة ومزينة برسومات وألوان براقة تتصل كل تلك الغرف والمجالس
ببعضها بواسطة ممراتٍ مسقوفة وشرفاتٍ رحبة يمكن من خلالها الاستمتاع بمنظرٍ
عام للقصر وباحاته المتعددة التي تتخللها البرك الصغيرة والورود الملونة
وأشجار النخيل إن زيارة متحف قصر العين هي رحلة يجب القيام بها لما تقدمه
للزائر من متعة ومعرفة واستفادة من حيث الاطلاع على التاريخ القديم لشعب
هذا البلد وكذلك ملاحظة التغير والمراحل التي مر بها عبر السنين وأشواط
التطور الهائل التي شهدتها دولة الإمارات تحت الرعاية العطوفة والقيادة
الحكيمة لصاحب السمو الشيخ زايد رئيس الدولة.
